همس الوفاء سليمان
الجنس : عدد المساهمات : 61 تاريخ التسجيل : 21/12/2010 العمر : 29
| موضوع: عندما يسبق حكم القدر حكم القضاء الأربعاء ديسمبر 22, 2010 9:17 am | |
| عندما يسبق حكم القدر حكم القضاء استرجع عصام المشهد الأخير من أحداث ليلة الجريمة وكأنه نسي كل التفاصيل الأخرى. ونظر إلى قاضي محكمة الجنايات وهو يعيد قراءة أوراق ملف القضية وألقى نظرة جانبية إلى أخته عبير الواقفة قربه تنظر إلى القاضي بملامح مملوءة بالهلع والترقب والرجاء. إنها شريكته في الجريمة لكنها حملت سكيناً وهددت رجل الأعمال وشريكه، ووحده نفّذ الجريمة وأطلق رصاص مسدسه عدة مرات ليسقط شادي في واحة دمائه النازفة. لن ينسى ذلك المشهد وهو ينظر برعب مباغت إلى المسدس المرتجف في يده. للمرّة الأولى يطلق رصاص هذا المسدس، ولم يكن يدري أنه سيصرع رجلاً وهو يخطط للسرقة مع أخته... قبل فترة، قاده رجال الأمن إلى مكان الجريمة. حين تتالت طرقات على باب منزله، لم يكن متوقعاً زيارة رجال الأمن. قبل سنة تقريباً، نفّذ مع أخته الجريمة، وبدأ يعيش رفاهية الأموال المسروقة. تزوجت أخته من شاب يصغرها بخمس سنوات، ونقلته من السكن في غرفة صغيرة إلى بيتها الواسع، فرضي بالرفاهية متناسياً فارق العمر وتحكّم زوجة ثرية، ومنذ سنة يعيش هو مع الأموال، رافضاً الزواج، وغائصاً في سعادة الأوقات الليلية. اقتسم الأموال المسروقة وقدرها 20 مليون ليرة مع أخته، وبدأ يوظفها في أعمال تجارية يديرها تجار تميزوا في هذا المجال كما كان القتيل شادي متميزاً بإدارة أموال الناس. وحين تلقى الأسئلة الملخصة بعبارة “من أين لك هذا”، كان يعرف كيف يختلق الأجوبة ليمحو شكوك الآخرين وهم يرونه غائصاً في ثروة ضخمة، وحين قاده رجال الأمن إلى مكتب القتيل بدأ يمثل الجريمة بخطوات متعثرة، وفي الجهة الأخرى تتحرك أخته ممثلة دورها في ليلة القتل، والآن يقف منتظراً الحكم أمام قاضي محكمة الجنايات.
حين اقتسم المال مع أخته، صرخ بفرح كبير وهو يدور حول نفسه في صالون المنزل الصغير. وصرخت أخته طالبة الصمت، وحذرته من مساوئ إظهار الثروة الجديدة أمام الآخرين. طالبته بالتكتم وإخفاء المال ريثما تهدأ الضجة حول الجريمة. كانت تقنع زوجها الشاب بأنها لا تملك سوى بيتها ومليون ليرة ورثتها عن أبيها، وكان هو يعلن عن امتلاكه الملايين ويبعثر المال في الليالي الماجنة، واعتقد أن العيون بعيدة عنه، ولكن رجال الأمن حاصروه بحقائق مذهلة.
ما يزال قاضي محكمة الجنايات يقرأ الملف، وأخته تبدو منهارة وهي ترتجف من قلق الانتظار. انها تنتظر حكماً مخففاً، ولكن ماذا ينتظر هو؟
حين اتهمها أمام رجال الأمن بالتخطيط للسرقة، صرخت محتجة: “ولكني لم أخطط للقتل”.
بذل رجال الأمن جهوداً مضنية لإيصاله إلى الاعتراف. وضعوا أمامه الأدلة الثابتة وهم يسألونه: “لماذا لم تطالب بمبلغ النصف مليون الذي كنت تضعه لدى المقتول، وتذهب أول كل شهر لتتقاضى أرباحه؟.. جميع المساهمين تقدموا إلى الجهات المختصة لاستعادة أموالهم من ورثة المقتول، وأنت، وأختك، نسيتما أن لكما نصف مليون طالما الملايين الأخرى صارت ملكاً لكما بعد تنفيذ الجريمة”. وتلعثم حينما سمع كلام رجل الأمن، واستغرب كيف أنه لم يطالب بالمبلغ لكي يبعد الشبهات عنه، وبرّر تخليه عن المبلغ بعدما ضجت المدينة بنبأ الجريمة، فهو ليس محتاجاً، وورث مبالغ جيدة، وهنا لم يشعر بأنه أوقع نفسه في مأزق جديد، فكيف ورث، ومن أين، ومتى؟.. وقدّم إليه رجل الأمن أوراقاً تثبت أن أباه كان لا يملك سوى بيت واحد ودكان صغيرة تم إغلاقها بعدما تحقق الثراء إثر السرقة و الجريمة، ثم قدّم إليه شهادة مكتب العقارات الذي باع البيت بمليون ليرة فقط، فمن أين اشترى هذا البيت الضخم، ومن أين حصل على المال الذي يبعثره كل ليلة؟.. وقدّم رجل الأمن وثائق تؤكد ضخامة المبالغ التي كان يدفعها في الملاهي الليلية، ثم أضاف: “نحن نراقبك منذ فترة، وشككنا بك وبأختك، طالما أنكما الوحيدان اللذان لم يطالبا بالأموال الموضوعة في عهدة التاجر المقتول”.
حين ارتبك عصام أثناء التحقيق، وجد خطة جديدة. قال لرجل الأمن إنه وجد في الشارع حقيبة مملوءة بالمال، وهذا سر ثروته. وحينها أسرع رجل أمن آخر إلى الأخت الواقفة وسط ذهولها وهو يخرج من جيبه سكيناً ملفوفاً بقطعة قماش، واقتادها إلى غرفة جانبية، وسار خلفه رجال أمن آخرون، وبقي عصام وحده مع رجل الأمن وعناصر تقف قرب باب الخروج لتمنع هروب المتهمين. وقال رجل الأمن: “اعترف، وسأساعدك في المحكمة”. وقال هو: “قلت لك الحقيقة”. وحينها خرج رجل الأمن الآخر من الغرفة. مبتسماً وهو يقول “السيدة عبير اعترفت بالجريمة الكاملة، والسكين التي كانت أمام باب البناء سقطت منها حين سيرها السريع لمغادرة مكان الجريمة”.
وشعر عصام بتلاشي قواه وارتعاش مفاصله، فألقى جسمه المرتعش على أقرب مقعد. وقال رجل الأمن “لو اعترفت أنت قبل أختك، كنت ستنال المساعدة، ولكنك الآن ستنال عقوبة الإعدام”.
وصرخ هو: “لا، أرجوك ساعدني”.
حين مثّل الجريمة في مكتب المغدور شادي، لم ير أكثر الوجوه المحيطة به، وسأله المحقق عن أسباب قتله للتاجر وهو يريد أمواله فقط، فأكد أنه منعه من أخذ مفاتيح الخزانة الحديدية وهو يجابهه ولا يكترث للسكين المرفوعة في يد أخته قرب عنقه، فاضطر للدفاع عن نفسه بالمسدس المرفوع في يده.
حين بدأ قاضي محكمة الجنايات بالتداول همساً مع القضاة ووكيل النيابة، حاول عصام عبثاً اكتشاف الكلام من فوق الشفاه، نظر إلى أخته فبدت متلاشية القوى، إنها المحرك الأساسي في عملية تلك الليلة. قالت له: “إلى متى سنظل ننتظر هذه المبالغ الضئيلة التي نأخذها لقاء أموالنا في أول كل شهر من هذا التاجر الجشع؟.. التجار يأكلون أموال الناس، ويربحون الملايين، ويدفعون لنا مبالغ قليلة”.
وبعد تحريضها له بعدة أيام، كانت خطة مداهمة مكتب التاجر جاهزة. أنها تعرف متى يبقى لوحده لإحصاء الأرباح، ومتى يغادر، وكيف تتجمع الأموال كل ليلة في الخزانة الحديدية، ولن تحتاج عملية السطو على هذه الأموال سوى إلى قوة وإصرار، والدخول إلى المكتب سهل طالما أنهما يتعاملان بأموالهما مع التاجر، وهذا يتيح لها زيارة المكتب في كل الأوقات.
الجريمة وقعت، والمتعة السابقة لا تكفي للتعويض عن شقاء بقية العمر. ولكن هل بقي في العمر بقية؟.. نطق القاضي حكم الإعدام على الشقيقين بهدوء، ثم أوضح بسرعة الأسباب المخفّفة التقديرية للمتهمة عبير مستبدلاً حكم الإعدام بالسجن مع الأشغال الشاقة مدة عشرين عاماً.
حين أنهى القاضي إلقاء صيغة الحكم، صرخ عصام بصوت مرتفع:
أختي هي المحرّض على الجريمة.
ولم يكمل بقية كلامه، وضع يده بسرعة على صدره، وصرخ من الألم، وتهالك جسده بسرعة ليرتمي على أرض المحكمة.
وحين نهض طبيب كان موجوداً لحضور جلسة الحكم في قضية قريبه المقتول، بعدما فحص جسد عصام بسرعة، قال بهدوء:
فقد الحياة بالسكتة القلبية.
وقال كثيرون إن حكم القدر سبق تنفيذ حكم القضاء. | |
|
خفايا الروح المدير العام
الجنس : عدد المساهمات : 1076 تاريخ التسجيل : 07/12/2010 العمر : 30
| موضوع: رد: عندما يسبق حكم القدر حكم القضاء الأربعاء ديسمبر 22, 2010 1:39 pm | |
| ممشكووووووووووووور ويعطيك الف عافية تقبل مروري واحترامي | |
|